التعليم عن بعد آت آت
لعل الظروف الصحية حتمته والعزيمة السياسية نفذته. عندما كنا نتعلم استخدام واب سي تي WebCT ومودل Moodle ونايس نات Nicenet مع حلول سنة 2002، كان الحديث لا يزال باكرا عن استخدام التعليم عن بعد في جامعاتنا. وكنا هواة نتلقف أفضل الممارسات في هذا الميدان، نطبقها في نفس الوقت ونتدرب عليها، وندرب عليها طلابنا. لم يتطلب الأمر آنذاك أن نتوقف عن التعليم الحضوري ولكنه كان يقتضي استخدام طريقة المزج بين الحضوري والالكتروني Blended learning.

كما أن المنصات في ذلك الزمن الغابر لم تكن تفاعلية interactive بمعنى أن الطالب يمكن أن يتعامل مع نظم إدارة التعلم Learning Management Systems ويساهم فيها ويطرح أسئلة في صلبها ويتلقى أجوبة ويدخل في دردشات في نطاق المنبر، ولكنها كانت ذات طريق واحد، بمعنى أن مدير المنصة، أي الأستاذ، كان يضع على ذمة طلابه وثائق ومساعدات تعليمية وإعلانات يكتفون بقراءتها والاطلاع عليها وربما التفاعل معها حصة الدرس الحضوري. أُطلق على الشبكة آنذاك تسمية شبكة اقرأ فقط Read-Only Web. مع بدايات 2006، أصبح بمقدور الطلاب الدخول إلى موقع نظام إدارة التعلم والمشاركة فيه والتعليق على أعمال أقرانهم والدخول في حوار مع الأستاذ وترك بصمتهم على الموقع. كان ذلك إيذانا بدخول عصر شبكة أقرا واكتب Read-Write Web والويب Web 2.O ومعه أصبح من الممكن إنجاز المادة بأكملها افتراضيا، دون ضرورة لتلاقي الأستاذ مع طلبته في مبنى الكلية أو الجامعة أو المعهد، والبقية تاريخ...
تعاقبت الحكومات وتم إنشاء جامعة تونس الافتراضية لتكون قاطرة لهذا المسار... لا يسمح المجال هنا لسرد تاريخي لما تم إنجازه منذ إنشاء هذه الجامعة، ولكن دخول الثورة على الخط جعل المجموعة الوطنية تركز على ما هو أهم من التعليم عن بعد، ألا وهو إنجاز المحطات الدستورية وإرساء مبدء تداول السلطة وترسيخ مفهموم الانتخابات وبناء منظومة المجتمع المدني الجديد... تخطينا كل هذه المحطات، وعايشنا كلنا تطورات الوسائط الاجتماعية Social media التي أسهمت ما أسهمت في تعميق التداول في الشأن العام وتنظيم حركة المجمتع المدني وكذلك التحضير للتعليم عن بعد E-Learning... يدخل علينا هذا الضيف الثقيل "كورونا" ويقلب الأوراق، ويتبين الجميع صعوبة إنجاز مهام التعليم الحضوري، وتحضر الإدارة السياسية لتتخذ القرار الجريء بتفعيل التعليم عن بعد... وكما قلت، لعل الظروف الصحية حتمته والعزيمة السياسية نفذته.

في تقديري أن هناك جيلا من الأساتذة والمتعلمين الذين عايشوا التطورات التكنولوجية واستوعبوها، وهم يعون تماما أهمية الأخذ بأسباب إقامة منظومة التعلم عن بعد. لا يحدوني شك في أن هذا المسار في طريقة الى التنفيذ في الأيام القليلة القادمة. سعيد بأن أشهد وأساهم في هذه النقلة النوعية من التعليم الحضوري إلى التعلم في كل زمان ومكان Ubiquitous learning/Mobile learning حتى يصبح التعلم مدى الحياة Lifelong learning الممارسة المعيارية للجميع ولن يبقى التعليم بعد هذا مقرونا بتوقيت الدرس ومكانه في المدرج أو القاعة أو المخبر.